روى هذه السالفة محمد بن عبد الكريم الجربوع لسليمان بن ابراهيم الطامي الذي ذكرها في مؤلفه سواليف المجالس
قال فيها : كان رجل يتنقل بين مدن المملكة ومدن البلدان المجاورة لغرض التجارة ، وكان ينقل بضاعته بواسطة
الجمال . حيث هي وسيلة النقل في ذلك الوقت . وفي احدى سفرياته هذا الرجل .م
يقول راوي السالفة : كان الرجل راكبا على جمله ويسوق الجمال الأخرى أمامه محملة بالبضائع . وأثناء سيره عرض
للرجل شبح من بعيد ، اتجه اليه الرجل ليرى ماهو هذا الشبح ؟؟ فاقترب منه شيئا فشيئا ، فقال : لعلها شاة تائهة
عن باقي الشياه ، أو بيت شعر مطوي ، لأن الشبح لونه أسود ... وصل الرجل الى الشبح ، فاذا هي امرأة تئن تحت
غطائها ولا تستطيع الحراك ، وحولها اناء مملوء ماء الا أن الاناء ممتليء بالجعلان ، شيء حي يريد الخروج وشيء منها
منها ميت . يقول الرجل : اقتربت من المرأة وسلمت عليها ، فلم ترد علي السلام الا اللهم بصوت لم أسمعه ..م
نزلت عن جملي ورفعت غطاء المرأة ، اذا هي مريضة بالجدري وجسدها كله مغطى ببثور الجدري .. فأنزل الله بي
الرحمة على المرأة ، تركت جمالي ترعى وأخذت فأسي فقطعت شجرا وفرشته تحت المرأة ، ووضعت رمادا مع أدوية
معي كنت مستعدا بها لي في الأسفار ، فقلبت المرأة يمينا وشمالا ، ووضعت عليها من الدواء والرماد يتكون من : م
م ( مرة ، حلتيت ، صبر ، رشاد ) وغيرها من الأدوية العشبية ، وأسقيتها مريسا ( تمر مخلوط بماء ) ..م
وعيناي تذرفان الدمع على هذه المرأة ، حيث تخيلتها ابنتي الكبيرة ( فلانة ) وجلست على هذه الحال مع المرأة
عدة أيام حتى جفت قروحها وبدأت تتقشر - تحت - وبدأت المرأة تطاعم ( تأكل الطعام ) والحياة تدب فيها شيئا فشيئا
سألتها عن سالفتها ، ومن جاء بها الى هنا . فأخبرتني بالسالفة كاملة ، وأنها كانت مع عرب بصحبة زوجها ، وأنها
متزوجة من شهور فقط ، فأصيبت بالجدري ، فرماها زوجها بهذا المكان بعد ماشد العرب ورحلوا منه ، ووضعوا عندها
ماءا وتمرا . تقول المرأة : التمر أكلته القوارض ، جرابيع وجرذان وغيرها ، واناء الماء امتلأ بالجعلان ، وقال زوجها وأهله
اما تحيا واما تموت .. يقول الرجل : سألتها عن أهلها فأخبرتني أنهم في مكان كذا ، وكنت أعرف المكان ، حمدت الله
أنني أنقذت نفسا بعونه ، فأركبتها على أحد جمالي وركبت أنا جملي ، وسقت بقية جمالي أمامنا . يقول صاحب
السالفة : عندما قربت من مكان أهلها ، قلت للمرأة : اذهبي بالجمل الذي تحتك لأهلك وأنا أجلس هنا وأخبريهم
انطلقت الى أهلها ورحب بها أهلها ، وسألوها عن زوجها وبقية الفريق ، ولماذا شكلها متغير ؟؟ فأخبرتهم بما جرى
لها وأنها أصيبت بالجدري ورماها زوجها بالصحراء لتموت لولا عناية الله ثم رجل عالجها وأنقذها .. وأخبرتهم أن الرجل
في مكان قريب من هنا . أمر والدها باحضار الرجل ، فحضر وأكرموه أيما اكرام ، فصار الغداء عند رجل والعشاء عند آخر
من القبيلة ، اما اخوة المرأة فانهم تقلدوا سلاحهم ليلحقوا بزوجها ويقتلوه جزاء مافعل باختهم ، الا أن الرجل الضيف
تدخل وطلب منهم الصفح اذا كانوا يريدون اكرامه . وقال لهم : ابنتكم الآن عندكم سليمة معافاة ، وأنا الآن أودعكم
فطلب والد المرأة بأن أعرج عليهم كل ماغدوت أو رجعت ، فوعدته بذلك . يقول الرجل : ركبت جملي وسقت بقية جمالي
لأواصل سفري ، اذ أمامي قطيع من الغنم . فقلت لوالد المرأة : ماهذه ؟ قال : هدية لك مني ومن أولادي ومن المرأة
م ( ابنتي ) التي أنقذت ، هدية متواضعة ، وأما الثواب والأجر من الله ، وسيجزيك ان شاء الله خير الجزاء
فودعتهم وعيناي تذرفان دمعا لهذا الموقف الذي حصل لي مع المرأة المسكينة . حيثها قبّلت رأسي ويدي وهي تبكي
وأنا أنظر الى أثر الجدري بيديها ورجليها . فحمدا لله على مايسره لي .